كتاب (رحلة بين قرنين) هو رحلة حافلة بالمعاناة والظروف الشاقة والصراع بين الأمل واليأس، والمواقف الصعبة والطريفة والتفاصيل التي يصعب حصرها في مقال واحد، وربما نتطرق لها في مقالات مستقلة لما فيها من العبر والتأمل في رحلة التنمية الشاملة التي شهدتها وتشهدها المملكة في كافة المجالات من خلال بوابة التعليم..
كتب السيرة الذاتية، والذكريات كتب ممتعة ومفيدة خاصة إذا كان صاحبها ممن له بصمة وإضافة وجهود مثمرة في مجال هو من أهم المجالات وهو مجال التعليم.
نفتح في هذا المقال صفحات كتاب قيم صدر حديثاً للشيخ محمد بن إبراهيم الخضير بعنوان (رحلة بين قرنين).
ولدت فكرة الكتاب نتيجة حوار أسري بين الوالد (المؤلف) وأبنائه عن ذكريات الماضي توصل فيه الجميع إلى قرار بأهمية نشر هذه الذكريات.
من البداية نلحظ الطابع الأسري التربوي للكتاب حيث يقول المؤلف إن هدفه من تدوين هذه الذكريات (أن أبقي لأولادي وأحفادي وذريتي المتعاقبة حكايتي التي تماثل قصص بعض المعاصرين لي بما فيها من تعب وكد وشظف كي يعلموا شيئاً من تراث أوائلهم وسيرهم ويتعلموا من دروسها وثمارها ويتجنبوا عثراتها وأشواكها).
الهدف الثاني من الكتاب حسب المؤلف هو (أن يطلع العاملون ورفقاء الدرب على معاناة كانوا شهوداً على مجرياتها منذ بدايتها أو في تطورها أو وقفوا على صورتها الحالية، ومن عرف البدايات عظمت في عينه النهايات، وأكبر المنتج الذي يراه ولو لم يحضر الغرس، فيزداد حفاظ على المحصلة، وترتفع القيمة لديه).
ويذكر المؤلف الهدف الثالث من الكتاب وهو تعريف أبناء الوطن وغيرهم من العرب والمسلمين كيف كانت المملكة قبل النفط، ثم ما تحقق بعد ذلك من نعم وإنجازات من أهمها الوحدة والتآلف والأمن والنفط، ومعها وقبلها وبعدها أعظم نعمة وهي نعمة الإسلام والإيمان.
أدرك المؤلف قيمة العلم عندما كان عمره 6 سنوات، وقتها لاحظ أن أحد الضيوف الذين يزورون والده في الخبراء يحظى باهتمام مضاعف، وحين سأل عن سر هذه العناية الاستثنائية بهذا الضيف تحديداً قيل له: لأنه القاضي، فسأل الطفل، كيف أصبح كذلك، أجابوا: تعلم فصار قاضياً. ثم زاد اهتمامه بالتعليم حين زار عنيزة مرافقاً لأخيه علي. لفت نظره في عنيزة بعد صلاة الفجر مجموعة من الأطفال في مثل عمره يجلسون بطريقة منتظمة تسر الناظرين –حسب وصفه– ويدرسهم أحد المعلمين بأسلوب جاذب ومعهم ألواح للكتابة عليها.
يصف المؤلف الظروف الصعبة التي يعيشها الناس أيام طفولته، وقتها قرر أن ينتقل إلى الرياض، كانت موافقة الأهل على سفره عسيرة الولادة، سافر إلى عنيزة مع آخرين للبحث عن سيارة تقلهم إلى الرياض، انتظروا عشرة أيام حتى جاءت السيارة وهي شاحنة محملة بخشب الأثل.
تلك السيارة التي انتظروها عشرة أيام -تعطلت خلال الرحلة واستغرق إصلاحها يوماً كاملاً- هي مثال على ظروف الحياة الصعبة في تلك الفترة، لكنها مشقة كانت من أجل العلم والعمل.
كان انتقال المؤلف للظهران للعمل في أرامكو مرحلة مفصلية في حياته اكتسب من خلالها الكثير من المعارف والمهارات المهنية وتعلم كيف يكون معلماً جاداً عاشقاً لمهنة التدريس.
كتاب (رحلة بين قرنين) هو رحلة حافلة بالمعاناة والظروف الشاقة والصراع بين الأمل واليأس، والمواقف الصعبة والطريفة والتفاصيل التي يصعب حصرها في مقال واحد، وربما نتطرق لها في مقالات مستقلة لما فيها من العبر والتأمل في رحلة التنمية الشاملة التي شهدتها وتشهدها المملكة في كافة المجالات من خلال بوابة التعليم.
هذه الرحلة كان هاجس بطلها الأول هو التعليم وهذا ما دفعه لترك وظيفة إدارية حكومية. توج رحلته بالدخول في مجال التعليم الأهلي وكانت البداية بمدارس لتعليم البنات كانت متعثرة فدخل فيها شريكاً ثم تغير اسمها إلى مدارس التربية النموذجية وأصبحت فيما بعد ملكاً لبطل هذه الرحلة لتبدأ رحلة جديدة في التوسع والتطوير في المفاهيم والممارسات التعليمية والتربوية وتصبح هذه المدارس رائدة في قطاع التعليم الأهلي حيث بدأ افتتاح المدارس الأهلية بعد عشر سنوات من إنشاء مدارس التربية النموذجية.
الرحلة مع هذا الكتاب جميلة وممتعة ولن تكتمل في مقال واحد لكنها رحلة تؤكد على مبدأ مهم وهو أن النجاح صعب لكن استمرار النجاح هو الأصعب.
وللرحلة بقية في مقال لاحق بمشيئة الله.
* نقلا عن “الرياض”